التاريخ الكردي حافل بالوجوه النسائية الخالدة في الذاكرة، فهن اللواتي وضعن بصمتهن الخاصة في كتب التاريخي الكردي والعديد من القصائد الشعرية، ومن هؤلاء النسوة “الشاعرة والمؤرخة الكردية ماه شرف خان” صاحبة الصيت الذائع في حقبة من الزمن الماضي
وُلدت الشاعرة والمؤرخة الكردية ماه شرف خان المعروفة بـ مستورة الأردلاني أو “مستورة الكردية”، سنة 1805م وترعرعت في مدينة سنندج، عاصمة الإمارة الأردلانية، في فترة حكم أمان الله خان، والد خسرو خان
تنحدر (مستورة) من عائلة ارستقراطية ثرية، ذات نفوذ قوي، كان (ابو الحسن بك)، والد مستورة، يكرس اهتماماً بالغاً لتربية أولاده، وخاصة ابنته الكُبرى (ماه شرف)، التي كانت موضع فخره وحبه البالغ، وكثيراً ما كانت ترافقه في زياراته للمناطق الأثرية و العشائر، فتصغي لقصص وأساطير وسَّـعَتْ من آفاق خيالها
كان جد مستورة من طرف والدها (محمد آغا)، أحد وجهاء البلاد الكبار، وكانت حياته الطويلة مليئة بالأحداث، وظل لمدة نصف قرن في فترة حكم أربعة أمراء أردلانيين، يشغل منصب “ناصر كردستان”، أي المسؤول عن النظام والاستقرار في البلاد
تزوجت “ماه شرف” من الأمير خسرو خان الذي استلم حكم الإمارة الأردلانية عام 1826م، وعمرها 21 عاماً، وكانت تقوم بمرافقة زوجها في الزيارات وتَفَقُّد القلاع والآثار التاريخية، والرعية، والاستماع إلى حكاياتهم، وشؤون حياتهم بأفراحها وأتراحها، مما مكَّنها وساعدها من تأليف كتابها التاريخي “تاريخ أردلان”، المصدر المهم لدراسة التاريخ الكردي في تلك الحقبة
وقد كان الجو الثقافي وازدهار العلم والأدب في عاصمة الأردلانيين، “سنندج” مدرسةٌ خاصةٌ لكتابة وتدوين التاريخ، بإشراف عدد من المؤلفين اللامعين في مجالات العلم والأدب، وماه شرف خان ذاع شهرتها بولوجها كتابة التاريخ، واشتهرت كشاعرة بَرَعت في قصائد الغزل والرثاء، كما كانت خطاطة بارعة، فجمعت في شخصيتها الجذابة بين الأصالة والنبل والنبوغ وتعدد المواهب والاهتمامات
وقال الكاتب (مرزا علي أكبر خان)، إن ديوان (مستورة)، يتضمن (20) ألف بيت باللغة الفارسية والكردية، وتم جمع وطبع وإصدار قصائدها بالفارسية في العام 1926، من قبل مثقف كردي من عائلة ميسورة الحال، عرفت عنه رعاية العلم والعلماء في كردستان، هو (حاج شيخ يحيى معرفة)، تحت عنوان (ديوان ماه شرف خانم كردستاني – مستورة). وبعد عشرين عاماً، أي في 1946، تم طبع كتاب (تاريخ أردلان)، من تأليفها أيضاً، الذي ضم تفاصيل واسعة عن سيرة حياة مستورة وعائلتها
ويقول الدارسون لشعر مستورة: “تستجلي أشعار (مستورة) في لفتات مدهشة تحولات الحياة في مداراتها الكثيرة، مازجة بين الحلم والرؤيا، في متخيل رومانسي، مفعم بنفحات روحها الهائمة، ويمكننا اعتبار ديوانها، شهادة نصر للأنثى في خِضَّم مجتمعٍ لا صوتَ يعلو فيه على صوتِ الرَّجُلِ. وقد اعتمدت في تجاربها على الرصيد الثقافي والروحي السائد في عصرها من شعر كردي وفارسي، وثقافة عربية اسلامية، إذ تلقت علومها عن أشهر علماء عصرها، كما تبين من خلال سيرتها الواردة في كتاب مجمع الفصحاء لمؤلفه (رضا قلي خان هدايت)، مما مهد لها ذلك الارتقاء إلى منزلة رفيعة نالت بها حظوة كبيرة لدى العلماء والشعراء، فالشاعر الكبير (مولوي)، يقول فيها في قصيدة له: “شمسُ الحُسنِ والدَّلال، جالسة على عرش ملكوت الطُّهرِ والعفَّة، تفيضُ دفئاً ونوراً على الجميع”
ويُروى أن الشاعرة مستورة نظّمتْ حوالي عشرين ألف بيت شعر، ضاع أكثره، ولم يبق منه سوى ثلاثة آلاف بيت بالفارسية، وباللهجتين الكرديتين السورانية والكورانية
هذا ودام زواجها حتى عام 1835م، وكان وفاة الأمير خسرو خان صدمة عنيفة للشاعرة، إذ شعرت بأنها فقدت بموته أعز وأفضل صديق ومعلم، إذ كان ينظم الشعر بالفارسية، وكان هذا من أقوى أسباب العشق والهيام بينهما، ولعل قصائدها الغزلية، هي التعبير الأمثل عن مدى ما تختزن في داخلها من رقة أنثوية وإنسانية، وتدفق في المشاعر والأحاسيس
توفيت الشاعرة والمؤرخة مستورة الكردية إثر وباء في عام 1847 بالسليمانية، ودُفنت في مقبرة “كردي سةيوان”، إلى جانب الكثير من المشاهير والمثقفين الكرد