هفرين خلف… دوّنت التاريخ الحديث وتركت ميراثًا خالدًا من الأمل
أستطيع أن أفعل وسأفعل” بهذه الكلمات بدأت هفرين نضالها عندما كانت في 11 من عمرها، واستطاعت أن تحقق هدفها قولًا وفعلًا وتكون قدوة للمرأة الحرة وصانعة حل للأزمة السورية، شهادتها هزت العالم وأنارت الطريق للنساء التواقات للحرية
هفرين تركت ميراثًا خالدًا من المقاومة النضالية للأجيال القادمة، وأصبحت منارة ورمزًا للمرأة الحرة، ودونت اسمها بين أعظم نساء العالم اللواتي غيّرن عالمنا وتركن أرشيفًا حيًّا من الأمل، هفرين التي قالت منذ نعومة أظافرها” أستطيع أن أفعل وسأفعل” إلى يوم استشهادها ناضلت في سبيل سوريا ديمقراطية والعيش بسلام
بدأت حياة الشهيدة هفرين خلف في إحدى أحياء مدينة ديرك عام 1983، حيث تنحدر من أسرة وطنية مؤلفة من الأم سعاد والأب حاجي، (أربعة أخوة وشقيقة واحدة اسمها زوزان)، وكان لوالدتها سعاد لقاءين مع القائد عبد الله أوجلان في الشام ولبنان، وهذا كان له دور في التأثير على شخصية هفرين
قدمت أسرتها 12 شهيدًا من أجل كرامة الشعوب، فقد استشهدت شقيقتها زوزان ضمن صفوف حركة التحرر الكردستاني، وثلاثة من أبناء عمومتها في ثورة شمال وشرق سوريا ومنهم هفرين
هفرين المولودة الخامسة بعد أربعة أولاد ذكور، لذلك كانت لها خاصية لدى أسرتها وخاصة والدتها، التي شبّهتها يوم ولادتها بزهرة الياسمين التي تعرف برائحتها العطرة، ولمحبة الناس لهذه الزهرة
منذ نعومة أظافرها وحتى شبابها إلى يوم شهادتها كانت محبوبة لدى من تعرف عليها
هفرين ومنذ صغرها كانت تتسم بخصالها الأخلاقية، وبعلاقاتها الاجتماعية الجيدة في المحيط الذي تعيش فيها سواء في مدرستها أو حارتها، وحتى في مكان عملها وإقامتها، وكبرت معها هذه الصفات، حتى نيل مرتبة الشهادة التي هزت العالم
وكانت تعرف بعدد من التسميات عند أسرتها، حيث لقبها والدها بمحبوبتي (ŞÊRÎNA BABO)، وعرفت عند شقيقها البكر عزيزة القلب
عرفت في صغرها بشعورها القومي الذي اكتسبته وتعلمته من أسرتها، وهذا الشعور دفعها إلى الانضمام إلى فرقة نوروز المسرحية للأطفال في ديرك، وكان عمرها آنذاك أحد عشر عامًا، لتمثل وقتها دور حقوق الإنسان، حيث كانت مجريات المسرحية آنذاك تدور حول أحداث مجزرة حلبجة، وخلالها قالت والدتها ألا يوجد دور تمثلينه سوى دور حقوق الإنسان وردّت عليها بهذه الكلمات “أستطيع أن أفعل وسأفعل”
درست في مدرسة مأمون الابتدائية في بداية عام 1990، وعرفت بهدوئها وأخلاقها لدى الكادر التدريسي ورفيقاتها في مدينة ديرك، كما كانت متفوقة في مدرستها حتى نجحت بدرجة تفوق، وكانت أنيقة في ملبسها
أما المرحلة الإعدادية فلا تقل عن المرحلة الابتدائية، حيث كانت في مدرسة زهير في مدينة ديرك عام 1996 بعد تفوقها على المدرسة، وفي الصف الخامس من المرحلة الابتدائية تم اختيارها للمشاركة في أولمبياد مادة الرياضيات على مستوى المحافظة وحصلت وقتها على الدرجة الأولى
وانتقلت إلى المرحلة الثانوية ودرست في ثانوية الطليعة للبنات في المدينة، وبعد حصولها على الثانوية العامة الفرع العلمي، توجهت إلى مدينة حلب لإكمال دراستها الجامعية بعد حرمانها من علامات في دروة الصاعقة والتي نجحت فيها، لكنها لم تستطع الدخول إلى كلية الطب التي كانت حلمها منذ الطفولة
سجلت في كلية الهندسة المدنية في مدينة حلب، حيث كانت والدتها تزورها بين الحين والآخر خلال فترة دراستها الجامعية كباقي الأمهات لدعم وتشجيع ابنتها، وحثها على المثابرة في دراستها، تخرجت من كلية الهندسة المدنية في حلب سنة 2009 لتبدأ مرحلة جديدة في حياة هفرين
ومع بداية تخرجها أصبحت الشهيدة هفرين تحت المراقبة من قبل الأفرع الأمنية، لتحركها ونشاطها، كون الأسرة معروفة بوطنيتها وتعلقها بفكر وفلسفة القائد ومن أسر الشهداء
كانت تتعرض للتحقيق والمساءلة من قبل الأفرع الأمنية في ديرك بشكل شبه يومي، ووُضع اسمها على لائحة الأسماء الخطرة على أمن الدولة، وقد بذلت الأسرة جهودها من خلال دفع أموال طائلة آنذاك لتوظيفها في إحدى مؤسسات ديرك الخدمية لتحقيق هدفها
ثم بدأت هفرين حياتها كسائر بنات ديرك، لتلتحق بركب الثورة التي انطلقت في شمال وشرق سوريا في 19 تموز 2012 والتي شاركت فيها بفعالية ونشاط، إذ حملت على عاتقها تنظيم الفئة الشابة وتوعيتها خلال انضمامها إلى مؤسسة نوري ديرسمي للفكر، ومن ثم تنظيم مؤسسات المجتمع المدني
وبعد فترة من العمل والتنظيم، تم إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في 21 كانون الثاني 2014 وتشكيل هيئات الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم الجزيرة، وأصبحت هفرين نائبة لهيئة الطاقة في مقاطعة الجزيرة، وفي عام 2015 وعند دمج بعض هيئات الإدارة الذاتية تم انتخاب هفرين كرئيسة مشتركة لهيئة الاقتصاد في الجزيرة، حيث عملت بجدّ وأدت دورًا كبيرًا في وضع الدعائم الأساسية لهذه الهيئة والمساعدة في تنظيم أمور الاقتصاد بالمنطقة
‘مؤمنة بأن الحل في سوريا سياسياً لذا اختارت الخيار السياسي’
واستمرت هفرين بمهمتها في متابعة الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة، وسعت إلى توفير احتياجات المواطنين، حتى بداية عام 2018، لتنخرط في العمل السياسي، وتسعى مع مجموعة من الوطنيين السوريين، بمكوناتهم كافة، إلى تشكيل حزب جامع لكل السوريين
وعندما انعقد المؤتمر التأسيسي لحزب سوريا المستقبل في مدينة الرقة بحضور كتل سياسية عربية وكردية وسريانية وشيوخ العشائر في الشمال السوري وأعضاء الحزب، في الـ 27 من آذار/مارس 2018، تم انتخاب هفرين خلف كأمين عام للحزب لدورها النشط في تأسيس الحزب، ليرقى إلى طموح كل السوريين ويناضل من أجل ضمان حقوق الجميع دون استثناء
بعد تعيينها أمين عام لحزب سوريا المستقبل عملت في المناطق ذات الوجود العربي في الرقة والطبقة وعين عيسى وغيرها، حيث تركت بصمة لدى النساء العربيات في تلك المناطق، سرعان ما أدت إلى انضمامهن إلى العمل، بعد تأثرهن بشخصية الشهيدة هفرين
هفرين كانت مؤمنة بأن الحل في سوريا سياسي، ولم ولن تنتهي بالمعارك، وكانت تقول دومًا في لقاءاتها إن الحل الأمثل للأزمة السورية بيد السوريين، من خلال الحوار السوري – السوري، ويتفق عليه السوريون كافة، ويبدأ المجتمع من تنظيم نفسه على المستويات كافة عبر المؤسسات، وأن يكون للشعب حق تقرير المصير
استمرت هفرين بنضالها السياسي وبنشاط مستمر عبر التواصل مع فئات المجتمع والأطراف السياسية كافة، من أجل حل الأزمة السورية سياسيًّا وإنهاء إراقة دماء السوريين
ومع بدء الهجمات التي شنها الاحتلال التركي ومرتزقته على عموم مناطق شمال وشرق سوريا في 9 تشرين الأول من عام2019 ، بدأ مرتزقة الاحتلال التركي بالتحرك من أجل ضرب استقرار المنطقة، وفي يوم الجمعة 11 تشرين الأول من ذلك العام، وأثناء توجهها على الطريق الدولي إلى مدينة قامشلو في مهمة عمل سياسي، تم استهدافها بوحشية من قبل مرتزقة الاحتلال التركي وارتقت إلى مرتبة الشهادة، وتم الإعلان عن استشهادها بشكل رسمي من قبل مجلس عوائل الشهداء في الـ 12 من تشرين الأول
طيلة سنوات الثورة، لم تكل هفرين خلف، ابنة مدينة ديرك عن النضال، واستمرت بنضالها في أصعب الظروف حتى باتت قدوة للجميع وخاصة النساء
وإعلان نبأ استشهادها، هزّ مسامع العالم، وعلى وجه الخصوص النساء، للتضامن معها، لأنها تمثل المرأة الحرة التي سعت إلى حل الأزمة السورية بالطرق السلمية
فعاليات من قبل النساء بعد استشهادها لتدوين قضيتها في المحاكم الدولية
وبعد استشهاد هفرين بوحشية على يد المرتزقة المدعومة من الاحتلال التركي، نُظمت فعاليات ونشاطات على مستوى شمال وشرق سوريا والعالم، للتنديد بهذه الوحشية التي استهدفت السياسية الكردية هفرين خلف
ومن بينها الحملة التي أطلقها مركز الأبحاث وحماية حقوق المرأة في سوريا لجمع التواقيع تحت شعار “العدالة لهفرين خلف”، ودعوته التنظيمات المدنية والشخصيات السياسية والحقوقية كافة إلى تلبية النداء والتوقيع على العريضة التي ستُقدم إلى الجهات المعنية للتحقيق في ملفها
وتم تشكيل لجنة للتحقيق في قضية اغتيال الشهيدة هفرين، وتحويل الجناة إلى المحاكم الدولية، على ارتكابهم جرائم حرب في شمال وشرق سوريا وخاصة بحق النساء
كما ضمت رابطة حقوق السيدات في التنمية AWID أسماء العديد من النساء العربيات والأمازيغيات والكرديات ضمن “أرشيف الأمل النسوي” وذلك تكريمًا وإحياءً لذكرى نسوة غيّرن عالمنا، رحلن وتركن أرشيفًا حيًّا من الأمل”
وكانت من المناضلات النسويات الراحلات، الامينة العامة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، والتي كانت تعمل من أجل سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية وتسعى إلى تعزيز المساواة بين المرأة والرجل وضمان حقوق وحرية جميع النساء بمختلف أعراقهن
وأطلقت بلدية باريستو (Barcetoyê) التابعة لمدينة بارما الإيطالية اسم هفرين خلف، على جسر فوق النهر البارد (ريو ريفو فريدي)، وعُلّقت على جانبي الجسر صورها، التي كتب عليها “ناضلت من أجل حقوق المرأة، توفت بسبب الخيانة”
‘رثاء ابنة ديرك الشهيدة هفرين خلف بزغاريد الأمهات والأغاني الثورية الفلكلورية’
الأم التي هزت مهد ابنتها وكبرتها على نغم الأغاني الفلكلورية التي تعبر عن آلام الأم، ودعت ورثت ابنتها الوحيدة، بتلك الأغاني مع الآلاف من أهالي شمال وشرق سوريا، إلى مثواها الأخير مع عضو حزب سوريا المستقبل فرهاد رمضان ووريت الثرى في مزار الشهيد خبات بتاريخ13 تشرين الأول 2019